التخصصات الجامعية



قبل بدء عملية القبول الجامعي بأيام، تنشط نقابات ومؤسسات مدنية، وديوان الخدمة المدنية، لمساعدة خريجي الثانوية العامة في اختيار التخصص الجامعي المناسب، من خلال إحصاءات ومعلومات عن حاجة السوق لمثل هذه التخصصات، ونسب البطالة في بعضها، والطلب الذي تشهده سوق العمل على تخصصات أخرى. وهذا جهد تشكر عليه الجهات التي تقف عليه، فهو جهد يحتاج إلى معلومات واسعة، ووقت، بالإضافة إلى عمليات تدقيق، حتى يتم الوصول إلى النتائج التي توضع بين أيدي الطلبة وأهاليهم لتكون مرشدا لهم في اختيار التخصص الجامعي المناسب، ضمن مؤشرات سوق العمل في الوقت الحالي.
ومن المؤكد أن هذا الجهد ساهم في اختيار بعض الطلبة تخصصات معينة، ولكنه مع ذلك يبقى جهدا محدودا. فالقائمون عليه جهات معدودة، وهي تلجأ إلى ذلك فقط عند بدء عملية القبول الجامعي. كما أن هذه الجهات لا علاقة لها مباشرة بعملية القبول الجامعي؛ وكذلك، لا علاقة لها بتحديد ماهية التخصصات التي تُدرس في الجامعات الرسمية والخاصة.
ولذلك، فإننا نرى العديد من التخصصات ما تزال تُدرس في الجامعات المختلفة، مع أن العديد من خريجيها عاطلون عن العمل، وبعضهم يعمل في مجالات لا علاقة لها بما درسوه من تخصص في الجامعات.
تتحدث وزارة التعليم العالي والجامعات، والكثير من الجهات الرسمية والاهلية والنقابات المهنية، عن ضرورة ربط التعليم الجامعي بسوق العمل. ولكن ذلك لا يتحقق، وتبقى الأمور في المجال النظري، ويزداد عدد الخريجين الذين لا يتمكنون من العمل؛ فتضيع أموال صرفت على تدريسهم، وجهد بذل للدراسة، مع أنه كان بالإمكان أن لا تذهب هذه الأموال والجهود سدى.
المطلوب هو التخطيط المتواصل على مدار العام والأعوام، ووجود جهة مختصة تضم ممثلين عن كافة الهيئات والمؤسسات والجهات الحكومية والخاصة والأهلية والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وخبراء ومختصين، تدرس واقع سوق العمل، وكذلك التخصصات الجامعية، وما يناسب منها سوق العمل وما لا يناسب؛ كما تحدد التخصصات الجديدة التي يطلبها سوق العمل. وبناء على الدراسة تحدد التخصصات الجامعية وعدد الطلبة الذين سيقبلون فيها، وكذلك تحدد التخصصات الجامعية التي يجب أن تجمد مرحليا، أو تتوقف لسنوات معينة، وهكذا.
هناك الكثير من المؤسسات الأهلية، مثل النقابات المهنية، التي تستطيع تقديم النصح والإرشاد على هذا الصعيد. فالنقابات، وبسبب تعاملها اليومي مع الخريجين وسوق العمل، تستطيع تحديد التخصصات الراكدة والتي تعاني من البطالة. كما أن ديوان الخدمة المدنية يستطيع مساعدة الجامعات في تحديد التخصصات المناسبة للقطاع العام؛ إذ إنه يقدم سنويا إحصاءات عن أعداد العاملين في القطاع العام، وما يحتاجه هذا القطاع من تخصصات جامعية.
إن ربط مخرجات الجامعات بسوق العمل لا يجب أن يبقى خطة على الورق، نتحدث بها دائما، بدون تطبيق على أرض الواقع. فهذا يزيد من معاناة الطلبة وأسرهم والمجتمع وسوق العمل والدولة. طبعا، ربط مخرجات التعليم الجامعي بسوق العمل هو عملية طويلة متواصلة، ويجب أن لا تتوقف، وإنما يجب أن تتطور دائما وفق التغييرات والتطورات
أحدث أقدم